إنفاق 18,5 مليار دولار.. فجوات اجتماعية تعصف بالمجتمع.. ومنظومة تعليمية فقدت جدواها، ومعدلات فقر تستمر في الارتفاع.. هذه هي حصيلة خسائر إسرائيل في العشرين عاما الماضية في ظل سياسة تعد بمثابة "حجر جاثم على رقبتها" في صراعها مع العرب.
تلك الخسائر توصلت إليها دراسة إسرائيلية جديدة أصدرها مركز " أدفا" للمعلومات حول المساواة والعدل الاجتماعي في إسرائيل، وحملت عنوان " ثمن الاحتلال.. عبء الصراع العربي- الإسرائيلي، صورة الوضع 2010"، وتظهر بشكل قوي التأثير البالغ للصراع العربي- الإسرائيلي على اقتصاد الدولة العبرية.
الدراسة أشارت إلى أن استمرار سياسة إسرائيل في المنطقة كان بمثابة "حجر كبير جاثم على رقبتها"، أثر بالسلب على استقرار اقتصادها، وأثقل ميزانيتها، وحدَّ من إمكانية التطور الاجتماعي، وقيَّد تطلعاتها المستقبلية، وأضَّر بمكانتها الدولية، وشوَّه صورة جيشها، إضافة إلى أنه قسَّم الساحة السياسة الداخلية.
اقتصاد في ظل الاحتلال
واستعرضت الدراسة الثمن الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والسياسي الذي دفعته إسرائيل جراء الاحتلال ونتيجة استمرار الصراع العربي- الإسرائيلي.
اقتصادياً، بيَّنت الدراسة التأثير البالغ للصراع العربي- الإسرائيلي على الاقتصاد الإسرائيلي في الآونة الأخيرةن قائلةً أنه في نهاية عام 2000، التي سجلت نموا اقتصاديا كبيرا، نشبت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهو ما تراجع معه الاقتصاد الإسرائيلي.
وفيما بين أعوام 2004 إلى 2008 عاد الاقتصاد الإسرائيلي للنمو مرة أخرى، لكن في نهاية عام 2008 بدأت إسرائيل تتأثر بالأزمة المالية العالمية، وفي ديمسبر من نفس العام شنت إسرائيل حربها ضد قطاع غزة، التي أضافت عاملا آخر من عوامل الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بسبب الانخفاض الحاد في السياحة وتأثر المشاريع الاقتصادية الإسرائيلية التي كانت مقامة بالقرب من قطاع غزة.
وكان الدمج بين العوامل الخارجية والداخلية وعلى رأسها الحرب على غزة، هو السبب الأساسي وراء تراجع وتيرة النمو الاقتصادي في إسرائيل بشكل غير مسبوق، والذي تراجع إلى نسبة 3,8 % خلال الأعوام 2000 حتى أواخر عام 2008.
وبالنسبة لعام 2009 ففي يوم 25 يناير من هذا العام توقع البنك المركزي الإسرائيلي أن تكون لحرب غزة آثار سلبية على ميزانية إسرائيل بعد أن بغلت تكاليفها حوالي 5 مليار شيكيل ( نحو 1.3 مليار دولار)، إضافة إلى تأثيرها على مدخلات السياحة، والتي تراجعت بشكل غير مسبوق خلال عام 2009 مقارنة بعام 2008.
وذكرت الدراسة بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بإسرائيل عام 1980، وأرجعتها إلى الأعباء الاقتصادية التي وقعت على الدولة جراء حرب يونيو عام 1967، وتحولها إلى واحدة من أكبر دول العالم عسكريا؛ وهو ما دفعها إلى مضاعفة الميزانية العسكرية وفي أعقاب حرب 1973 زادت أكثر حتى أصبحت تمثل ثلث ميزانية الدولة.
وبعد توقيع اتفاقية السلام "كامب ديفيد" مع مصر عام 1979 تم تخفيض الميزانية العسكرية بنسبة قليلة، إلا أنها سرعان ما عادت للارتفاع مرة أخرى مع غزو إسرائيل للبنان عام 1982، ومنذ هذا العام وحتى 1987 زادت العمليات المسلحة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي؛ مما زاد من التكلفة الاقتصادية والأمنية الإسرائيلية.
واضطر الجيش –بحسب الدراسة- لإنشاء وحدات عسكرية خاصة بالتعامل مع الفلسطينين؛ فتم إنشاء كتيبة غزة وكتيبة الضفة الغربية، كما شكل وحدات عسكرية خاصة بهدف التعامل مع العناصر الفلسطينية المسلحة ومنها وحدتي "دوبدبان" و"شمشون"، إضافة إلى أن جميع وحدات الجيش الاحتياطية وجدت نفسها تخدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من ناحية أخرى فإن التوقيع على اتفاقيات أوسلو لم يقلل من المخصصات المالية الأمنية والعكسرية؛ فقد كان تقسيم المناطق الفلسطينية إلى مناطق A تحت السيادة الفلسطينية، ومناطق C تحت السيطرة الإسرائيلية ومناطق B تحت السيطرة المشتركة، سبباً في تخصيص الكثير من القوات الإسرائيلية في مناطق C، إضافة إلى إنشاء الكثير من الحواجز العسكرية والأمنية.
وفي أعقاب فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية في 2006 تحولت غزة إلى محور عمليات الجيش الإسرائيلي، وفرضت إسرائيل حصار أمني على القطاع، في نفس الوقت الذي طورت فيه الجماعات الفلسطينية المسلحة مجموعة من الصواريخ التي أطلقوها على قرى وبلدات جنوب إسرائيل؛ ما دفع الجيش لرصد ميزانية تقدر بـ 1 مليار شيكيل ( نحو 263 مليون دولار) فيما بين عامي 2009 و2010 لتأمين ما يعرف بـ" مناطق وبلدات غلاف غزة".
وعلاوة على الأموال المرصودة رسميا للميزانية الأمنية الإسرائيلية فإنها تلقت أموال إضافية لمواجهة تحديات الانتفاضة الفلسطينية؛ حيث بلغت في مجملها 45 مليار شيكيل ( نحو 11,8 مليار دولار) فيما بين أعوام 1989 إلى 2010، بعد تزايد أنشطة الجيش بشكل كبير في الأراضي الفلسطينية خلال هذه الفترة.
كما حصلت وزارة الدفاع الإسرائيلية على مبلغ يزيد عن 9 مليار شيكيل (نحو 2,3 مليار دولار) بهدف تنفيذ خطة فك الارتباط عن غزة، ومبلغ يزيد عن 13 مليار شيكيل (نحو 3,4 مليار دولار) لبناء الجدار العازل، الذي وصل طوله إلى 790 كيلو متر.
فجوات مجتمعية
"إسرائيل لا يمكن أن ترفع رايتين في آن واحد، راية الأمن وراية المجتمع "، هذه العبارة التي قالها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه ديان إبان حرب الاستنزاف مع مصر، تعكس بشكل قوي مدى الأزمة الاجتماعية التي يتسبب فيها استمرار الصراع والمواجهات العكسرية الإسرائيلية مع جيرانها العرب.
فقد تسببت الحروب الإسرائيلية المتعاقبة في إحداث صراعات وفجوات اجتماعية كبيرة كان لها بالغ التأثير السلبي على طبيعة ومسيرة المجتمع في إسرائيل؛ فعلى سبيل المثال لم يجد سكان ما يعرف بمناطق التطوير (أحد أشكال التجمعات الاستيطانية الإسرائيلية) وسكان عرب إسرائيل مكانا ملائما لهم بالمجتمع.
كما أن الفجوة الاجتماعية بين سكان وسط إسرائيل وبين سكان المناطق الأخرى زادت بالاتساع، أما المنظومة التعليمية في إسرائيل فإن معظم خريجيها من الشباب لم يتم استيعابهم في المنظومة الاقتصادية بإسرائيل، وخلال أعوام 1989- 2010 أصبحت واحدة من كل خمس أسر تعيش تحت خط الفقر، مقارنة بأسرة واحدة من بين كل عشرة تحت تحت خط الفقر وفق بياينات عام 1970.
وكان السبب الأساسي وراء ذلك هو اتباع سياسات اقتصادية – أمنية غير ليبرالية، سيطرت على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1980، علاوة على تركيز الاستثمار في المستوطنات الجديدة بالضفة الغربية؛ مما جعل الاستثمار في المجالات الاجتماعية الأخرى يأتي في ذيل قائمة الأولويات الحكومية، علاوة على أن الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين زاد من صعوبة دمج العرب في إسرائيل داخل مجتمع مدني واحد بإسرائيل.
وكان واضحا أيضا –بحسب الدراسة- أن الحكومات الإسرائيلية تقوم بتقليل الميزانيات الاجتماعية لصالح الميزانية الأمنية؛ ففي السنوات الأولى للانتفاضة الفلسطينية الثانية 2001-2005 تم تخفيض الميزانية العامة للدولة بحوالي 65 مليار شيكيل؛ وهو ما أثر بشكل قوي على ميزانيات مؤسسات الأمن الاجتماعي، والتي انخفضت بنسبة 45% في حين أن اعانات البطالة انخفضت بنسبة 47%.
ومنذ عام 1980 ونسب الفقر بإسرائيل في تزايد مستمر؛ ففي عام 1985 وصلت إلى 11,4%، وفي العام 1995 وصلت إلى 16,8% وفي عام 2008 وصلت إلى 19,9%، ولم يكن ذلك نتيجة الصراع المسلح بين إسرائيل والفلسطينين وحسب، بل نتيجة لتهجير مئات الآلاف من يهود دول الاتحاد السوفيتي السابق، ومن يهود الفلاشا من اثيوبيا أيضا إلى إسرائيل.
وجيش مسيس
أما فيما يتعلق بالثمن الذي دفعه الجيش الإسرائيلي كأكبر وأهم مؤسسة عكسرية في إسرائيل نتيجة الصراع العربي- الإسرائيلي فقد تمثل في "تسيس الجيش"؛ إذ أن احتلال أراضي العرب هي سياسية يحددها قادة إسرائيل، لكن الجيش هو المسئول عن تنفيذها؛ ما أدى إلى أن يصبح الجيش بمثابة "أداة سياسية".
وكان الثمن الأفدح الذي دفعه الجيش هو فقدانه لـ"الشرعية الأخلاقية" التي يحظى بها في أوساط المجتمع الإسرائيلي منذ إقامته، فقد أصبح الجيش أداة لفرض السيطرة الإسرائيلة على الفلسطينيين، بدلا من أن يكون درعا للدولة مدافعا عنها وعن مواطنيها.
وقد سجل العقد الماضي أربعة حوادث رئيسية تورط فيها الجيش بعمليات قتل مدنيين، وهي:
- تصفية نشطاء فلسطينين خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية وعائلاتهم وجيرانهم بالكامل بواسطة استخدام طائرات مروحية، مثال عملية تصفية صلاح شحادة في 2002 بقطاع غزة التي تسببت في مقتل 15 مواطنا.
- قتل مدنيين يتظاهرون من أجل القضية الفلسطينية، مثال قتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري في غزة 2003.
- مقتل مئات الفلسطينيين في عملية الرصاص المصبوب عام 2008- 2009.
- مقتل 9 مدنيين من ركاب سفينة مرمرة التركية التي كانت في طريقها لغزة في مايو 2010.
والجدول التالي يوضح الميزانية العكسرية الإسرائيليية في خضم الصراع العربي- الإسرائيلي في الفترة من 1989 إلى 2010.
العام | مقدار الميزانية بـ"المليار شيكيل" (الدولار يساوي حوالي 3,8 شيكيل) |
1989 | 1,0 |
1990 | 0,7 |
1991 | 1,4 |
1992 | 0,8 |
1993 | 1,0 |
1994 | 3,1 |
1995 | 1,7 |
1996 | 1,8 |
1997 | 2,8 |
1998 | 1,2 |
1999 | 0,6 |
2000 | 0,6 |
2001 | 1,4 |
2002 | 2,4 |
2003 | 5,7 |
2004 | 5,5 |
2005 | 2,2 |
2006 | 2,6 |
2007 | 1,8 |
2008 | 1,3 |
2009 | 4,3 |
2010 | 1,5 |